Wednesday, May 14, 2008





ألف وجه و وجه
" تصبحوا على خير " ... أنهيت بها تلك الليلة التي قضيتها مع أصحابي نتسامر سويا ونتصفح الانترنت .... ثم اتخذت الطريق المؤدي إلى بيتي .... ولكنه كان على غير العادة .... فتقريبا أنا الوحيد الذي أمشي في هذا السكون الذي يصل إلى درجة الوحشة ....وأيان أمشي في هذا الوقت المتأخر من الليل وجدت ....
- " وجدت هذا الرجل يمشي في الطرقات يا سيدي ..." قالها هذا الرجل الذي يمتطي فرسا ويحمل درعا وكأنه يأتي من الزمن الماضي ....
- " ماذا أتى بك إلى هنا يا فتى ؟!! ... " جاءت هذة الجملة من ذلك الرجل الذي يتسم بالهيبة من صوته الجهوري ناطقا بالعربية الفصحى ....
" أنا كنت سهران مع أصحابي ومروح البيت ....."
" أي لهجة تتحدث يا فتى ؟ " ....." هل أنت من أعراب الفرس أم من يهود أقصى الشرق ؟!!..."
" لا ....لا .... أنا مسلم .."
" وماذا أتى بك إلى المدينة ؟" - " مدينة !!!!"
" إذا فلنأخذه إلى أمير المؤمنين ليبت في أمره ....." ....
******************************************************************************************
" ها هو يا أمير المؤمنين .." - " من أي بلد أنت يا فتى ؟!! "
" من قرية سجين الكوم محافظة الغربية ..." - " ماذا ؟!! ... هل هذة في الجزيرة العربية ؟!!! ..."
" لا ...لا ...إنها في مصر ...أنا مصري .."
" وماذا أتى بك إلى هنا ؟! هل جئت هنا لتتجسس علينا أم ماذا ؟! ......إذا فلنقيم عليك الحد ...."
" لا والله ....أنا كنت مروح البيت وخلاص ..."
" أي بيت لك في المدينة ؟!! " - " مدينة إيه ...إحنا في مصر ....."
" لا حول ولا قوة إلا بالله ...إذا فأطلقوا سراحه ....فلا خوف من هؤلاء ...إنه حتى لا يدري أين يوجد ....."
صراحة انتهزت فرصة أنهم اعتقوني مجنون وأخذت أتمادى في ذلك حتى أطلقوا سراحي ....وبعد أن خرجت من هذا القصر العظيم الذي - و لأول مرة - أشاهده في قريتنا .... أخذت أنظر إليه في دهشة ....وبعد أن تحولي بصري عنه و نظرت إلى الشارع كدت أقع من الصدمة ..." من هؤلاء العرب ؟!! " ...سؤال سألته لنفسي ولم أستطع الإجابة عليه....فذهبت إليهم كي أتحقق من أمرهم .... ولكني لم أخط سوى خطوة واحدة ثم نظرت إلى قدمي التي وضعتها في هذة التربة الرملية ...التي لا أعلم من أين جاءت هي الأخرى ...واستكملت السير وفي رأسي مليون سؤالا ... ما هذة الخيم ؟!!من هؤلاء البشر؟!!أين أنا؟!!ما هذة الخيول ؟!!ما هذة السيوف؟!!أين الطرقات؟!!أين السيارات؟!!أين العمارات؟!!ما الذي حدث لي ليلة البارحة ؟!!إلى أين أخذوني؟!!هل عادوا بي بالزمن إلى الخلف؟!!
وبعد أن أتعبني السير في الرمال ...جلست جانبا بجوار إحدى الطرق الرئيسية .... وأخذت أتأمل ...فوجدت عجبا ... وجدت حبا ... صداقة حقيقية ... وجدت كل شئ بمعناه الحقيقي .... وجدت أمير المؤمنين يمشي في الشوارع ليتفحص الرعية ... حتى جاء الدور علي .... وسألني عن حالي .... فبكيت ... فأخذني معه إلى قصره ... وأحضر لي طعاما وشرابا ... وهدأني ... ثم طلب مني أن أقص عليه قصتي .... وبالفعل قصصت عليه قصتي فاستعجب من أمري .... ثم طلب من الخادم إحضار شخص ما ... على ما يبدو أنه حكيم .... فلما جاء هذا الشخص وقص عليه الأمير قصتي .... قال له " إنها الفجوة الزمنية .... تحدث كل زمان وزمان .... ينتقل فيها إنسان ... من مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان .... " ....فخيم السكون على المكان .... وبعد مرور نصف ساعة رملية تقريبا من التركيز الشديد والتفكير المتمعن من الأمير الذي يهتم بأمري – وكأن معي واسطة – قال لي ...
" لابد وأن نعيش على أرض الواقع وأن نواجه الحقيقة .... ستعيش معنا .... ستكون واحدا منا وستتطبع بطباعنا .... " ولكن .... " قاطعني قائلا ..... – "هل عندك خيار آخر"
ثم استطرد الحديث قائلا .... -"ماذا كنت تعمل قبيل أيام؟!!" - "صيدلي ...."
حسنا سأقوم بشراء محل لك من أموال بيت المال تبيع فيه نباتات طبية ، وستعيش معي هنا بشكل مؤقت حتى تشتري لك بيتا " وبالفعل في أقل من أربع ساعات رملية – مش بعد سنين وسنين – حدث ما وعدني به أمير المؤمنين .... بالتأكيد كان هذا الأمر صعبا علي في البداية ... وكان التحدث بالعربية الفصحى أصعب ولكني تعودت على ذلك بسرعة ....بل وأحببت هذا العالم أيضا ...صراحة لا تكفيني لا أقلام ولا أوراق في وصفه .... عالم يخلو من السطحيات والشكليات والتفاهات ..... يخلو من البغض والكره .... يخلو من الماديات .... يخلو من "الواسطات" .... يخلو من النفاق ...يخلو من" الابتسامات المزيفة " التي تخفي خلفها قلوبا ظلام الليل بجوارها أبيض .... يخلو من الوعود الخيالية ...عالم كله حب ....كله صدق ....
وبعد أن دارت عجلة الحياة ... أصبحت من أكبر الصيادلة في شبه الجزيرة العربية...واشتريت لي بدل البيت بيوتا ....ودفعت إلى أمير المؤمنين ثمن المحل الذي اشتراه لي .... وفي ذات يوم وأنا عائد من عملي ....رأيتها ...رأيت من أجد فيها نصفي الآخر ....ثم فكرت .....وقررت...وذهبت إلى أبيها ...حقا انه رجل عظيم بمعنى الكلمة .... قال لي كلمات تزن عند الله وعندي قناطير ... قال لي " أنا لا يهمني مال ...ولا يهمني جاه ....لا يهمني سوى الله ....سأستخير ربي وان أخارني صرت صهري ..." صراحة ... علمني هذا الرجل درسا في الحياة ....درسا في الإسلام الحق ....وأنا عائد من عنده وأفكر في عظمة حديثه .... استوقفني شرطيان ...... – " بطاقتك يا أستاذ ..." - " ألا تعلم مع من تتحدث يا فتى ؟! "- " أنت مصري يا أخ ؟!!" - " مصري ... مصري ...أيوة ... أيوة أنا مصري ... إحنا فين دلوقتي؟!"
- " إحنا فين ؟!! ... أنت هتستعبط ....هاتووووووووووه على البوكس .... " وبعد أن انتهت مدة الاشتباه في شخصيتي و أطلقوا سراحي ... مشيت في الشوارع عائدا إلى بيتي ... وأنا شخص آخر ... شخص عاش الحقيقة وجاء ليعيش في الكذب ... جاء ليعيش في زمن الوجوه .... زمن الأقنعة ... كل واحد منا يحمل في جيبه الآلاف من الأقنعة بتبدلهم حسبما تحتاج الظروف ....فهرعت إلى أقلامي وأوراقي أخرج فيهم مشاعري المكبوتة ....
اتهام : يتهمني البعض بالتشاؤم ....ولكني لا أصف غير الحقيقة التي كلنا نعلمها ولكننا نتناساها حتى نعيش !!!
إقرار : أقر أنا من يعيش في دنيانا هذة أني أتعلم من كل الدروس القاسية التي أتلقاها منذ أن صرخت صرخة الحياة ....
هل : هل ما يحدث لي . ....يحدث لك .....يحدث له ...أم أنني الوحيد الذي لا يرى القدر سواه ؟!!
دمعة : دمعة فرت على خدي ...نظرة شردت من عيني ...."آآآآآآآآآه " هربت من حلقي المغتص بمرارة الأيام ....
معجزة : معجزة أن نكون أصفياء النفس ؟!!! معجزة أن نطهر قلوبنا ونفتحها للحياة ....
ألقوها: ألقوا هذة الأقنعة .... هيا نبدأ من جديد هيا نرفع علم الفطرة ...صدق صوتك الداخلي ...اكبح أصوات عقلك واتبع صوت قلبك ....فالقلب من الفطرة والعقل ما هو إلا انعكاس لأصوات غيرك – المقــنــــعــين - .....
وبعد أن انتهيت من الحديث مع أوراقي عن طريق أقلامي ... خرجت لأتنفس هواءا نقيا بعد أن أخنقني هذا الحديث .... وأيان أسير في هذا الوقت المتأخر من الليل وعيناي بالأرض .... اصطدمت بشخص ما ....
- أمسكت بك .... أين كنت الأيام السابقة يا رجل؟!! - من ؟!!! أمير المؤمنين..... الحمد لله أني عدت إليكم ...
وأكمل أحمد حياته بعد ذلك في وسط من أحبهم وأحبوه بكل صدق وبدون رياء ولكنه عاش معهم بكل حذر ...فقد كان حريصا ألا يخرج ليلا من بيته حتى لا يتركهم ثانية ويعود إلى الكذب ..............

2 comments:

MATRIX said...

بصراحة الموضوع دا حلو اوى..فى الحقيقة انت بتعرف تعبر ..وفكرة الموضوع حلوة من وجه نظرى..
شكرا لك على الموضوع والى الامام

fofa said...

قصة رائعة بجد
تسلم ايدك
يارب دايما الي الامام